منتدى هوازن

منتدى هوازن (http://www.hwazn.com/vb/index.php)
-   منتدى القصص القصيره (http://www.hwazn.com/vb/forumdisplay.php?f=218)
-   -   " الغروب .." قصة لفيصل الزوايدي ( تونس ) (http://www.hwazn.com/vb/showthread.php?t=123986)

فيصل الزوايدي 04-02-09 07:22 PM

" الغروب .." قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
الغـــروب ..

أَنا مَن هَدَّه الشوقُ إليَّ ، و أَخذه الـهمُّ بعيدًا بعيدًا عَني .. و أَلزمَني زمني ما لا أطيق ..
فليْتَ أَنسى .. وكيفَ أنسى وذا فَحيحُ ذِكرى أَطلَقَت سُـمومَها فـي دِمائي فَلا تجدي مَعَها الأمصالُ و إِنْ جَرَّبتُها ..و ذا هُم أَحِبَّةٌ صَدَقوا ولَكِن رَحَلوا ، بِالـمَوتِ اعتَذَروا ، و ما تُـجدي ، عِنْدَ الرحيلِ ، الـمعاذيرُ..أُفيقُ و تُفيقُ مَعي الذكرى موجِعَةً كالقَهرِ أَو كَالـمَوتِ نَفسِهِ ، أَحسِرُ عَنـي لِـحافًا بَسيطًا كانَ ليُطرُدَ البردَ و الـخوفَ عنّي .. أسيرُ نَـحوَ الـمِرآةِ فلا أرى إلا وَجهَهُ بِفَيْضِ ابتِسامَتِهِ الغامِرَةِ و الشيبِ الذي جَلَّلَهُ وَقارًا .. كانت الشعراتُ البيضاءُ بَيارِقَ الرحيلِ يَومَ اِلتَمَعَت فـي رأسِهِ تُؤذِنُ بِوَداعٍ مَـحتومٍ .. أجابَنا لا أَدري جادًّا أَمْ عابِثًا يَوْمَ سَأَلْناهُ عَن ذَلِكَ اللونِ الـجديدِ : هِيَ الشمسُ لا تَـمَلُّ شُروقًا و غُروبًا .. كَم أَشرَقَت و كَم غَرُبَت .. أَنْتَزِعُني مِن أَمامِ الـمِرآةِ فَقَد وَمَضَ بَريقٌ فـي عَينيَّ .. أَسيرُ وَجِلا إلـى الـمغسَلِ فأَغسِلُ وَجهي عَجٍلا ، مُتَجَنِّبًا النظَرَ إلى الـمِرآةِ الـمُواجِهَةِ خِشيَةَ أَنْ أَجِدَهُ قبالتي لَكِن يَدي تَـجَمَّدَت على مِقبَضِ الـحَنَفِيَّةِ ، فَقَد كانَت يَدُهُ الـمَعروقَةُ هِيَ التي تُـحكِمُ إِغلاقَ الـمِقبَضَ بِـحِرصِهِ الشديدِ على الـماءِ ، أَقتَلِعُني بِعُنفٍ و أَتَـحَرَّكُ مُتَعَثِّرًا أو مُتَبَعثِرًا.. أُغادِرُ الـمَكانَ و أُسرِعُ إلى غُرفَتـي و لَكن يَبدو أَنَّني قَد تُـهتُ إِذْ وَجدتُني فِي غُرفَتِهِ هُوَ .. كانَت رائِحته الـمُمَيَّزَةُ ما تَزالُ عَطِرَةً في الـمَكانِ .. هذا مَضجَعُهُ و تِلكَ ثِيابُهُ وذاكَ مَكتَبُهُ .. ما زالَ دفتَرُهُ مَفتوحًا على الطاولةِ ،كما تركَهُ في تلك الليلةِ فَقَد كانَ يُسَجِّلُ كل يوم أحداثَ يَومِهِ.. ترددت في مسامعي شَكواه الدَّائمَةَ مِن الزمَنِ .. ما لـي مِنْ عَدُوٍّ غيره .. قالَ هذا لـي يومًا وقد كان يُرَدِّدُهُ دَوْمًا .. أَقرَأُ فـي الصفحةِ الـمفتوحةِ أَمامي :" إِنَّـما تقتُلُنا الـحَسرَةُ .. وما جَدوى أَنْ تُسجِّلَ هزيـمَتَكَ ؟" لا أَجرُؤُ على قولِ أي كلامٍ .. تَـمامًا مِثلَ ذلكَ اليومِ .. إِذَا يَهوي الأحبَّةُ إلى الترابِ فَما كَلامٌ يُسلّيني .. أُحاوِلُ الهربَ مِنَ الـحسرَةِ خِشيَةَ أَنْ يَـمضي الوقتُ ، لا أَبـحَثُ عَن ساعَةٍ و لا أحاولُ البَحثَ عَنها فانأ اعلم أنني لن أجد واحدة .. قَد كانَ يَكرَهُ الساعاتِ بُغضًا ، يَكرَهُ حَرَكَتها لا تَتَوَقَّفُ ولا تستَريحُ و لا تَعودُ مَرَّةً .. يَكرَهُ اِستِنـزافَها الـمريرَ لِلعُمرِ .. تَزيدُ لِيَنقُصَ ، هَكذا تَقولُ الأحجِيَةُ .. هل اِعتَقَدْتَ يَومًا أَنْ تَكونَ حَياتُكَ أُحجِيَةً ساذجَةً يَرويها الصبيانُ بِتَفَاخُرٍ ؟؟؟
أُحاوِلُ الفكاكَ مِن هذه الـمتاهةِ فَأُغادِرُ الـمكانَ نَـحوَ آخر .. إِذَا كانَ الزمانُ يَأْبـى الثبات فالأماكِنُ تَأبـى الـحَرَكَةَ .. أَسيرُ نَـحوَ غرفةِ نَومي مـرةً أخرى و أَنا أَتَوقَّعُ أَن أَجِدَها فـي مَكانِـها ، لا أَدري كَيفَ وَجدتُ نفسي في غُرفَةِ الـجلوسِ أُجيلُ البَصَرَ في أَشيائِها الـمُبَعثَرَةِ كأَحاسيسي ،الـمُشوَّشَةِ كَأََفكاري .. على صَدرِ الـحائطِ لَوحةٌ كبيرةٌ مَارَسَ الزمنُ نزواتِهِ العجيبةَ على إِطارِها الـمُذَهَّبِ فَأَحالَهُ باهِتًا .. كانتِ اللوحةُ صورةَ الفَقيدِ .. الـجاذبيةُ عنيفةٌ اِقتادَتْنـي إلـى تَأَمُّلِها بِشَغَفٍ كأنـي لا أَعرِفُ صاحبَها ..
أَقِفُ أمامَ صورَتِهِ و لَكِنّـي أَنظُرُ إليه بِإِشفاقٍ وَ حَسرَةٍ كَأَنـي أَعرِفُهُ .. أَتَأَمَّلُ عَيْنَيْهِ العَميقَتَيْنِ بِتِلكَ النظرَةِ الغائِمَةِ ... أَنظُر في الصورَةِ طَويلا و أَرحَلُ بَعيدًا بَعيدًا عَنّـي، إذ أَنسى العالـمَ مِن حَولـي و أَنسى كثيرًا مـما ظَنَنْتُ أَنـي لا أَنساه ..و لكننـي أعودُ بَغتَةً لأُفيقَ فَإذا بـالصورةِ لَـم تَكُن إلا صورَتـي أَنـا ..

فيصــــل الــــــزوايــــدي

hababah 07-02-09 09:33 PM

قصه جميله

يعطيك العافيه

فيصل الزوايدي 08-02-09 11:38 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hababah (المشاركة 1308449)
قصه جميله

يعطيك العافيه

شكرا لاطلالتك اخي الكريم و قد اسعدني رأيك في القصة كثيرا ..
دمت في الخير

الأوركيدا 12-02-09 01:26 AM

أخي فيصل لديك اسلوب رائع في الكـتابه

عند تحدثك عن الصور كأننا ننظر إليها

وعند تحدثك عن التفاصيل تنقلنا في زوايا القصه معك

بسلاسة وروعة هذه القصه

وكأنها مرثيه الروح للجسد


ابدعت في الوصف والتعبير شكرا لك لاتحرمنا جديدك

مجروح ويگابر 12-02-09 01:02 PM

مشاءلله عليك أخوي فيصل

سلمت انملك على القصه الرائعه

ولك وودي ووردي

فيصل الزوايدي 12-02-09 05:13 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الأوركيدا (المشاركة 1309394)
أخي فيصل لديك اسلوب رائع في الكـتابه

عند تحدثك عن الصور كأننا ننظر إليها

وعند تحدثك عن التفاصيل تنقلنا في زوايا القصه معك

بسلاسة وروعة هذه القصه

وكأنها مرثيه الروح للجسد


ابدعت في الوصف والتعبير شكرا لك لاتحرمنا جديدك

أعتز برأيك كثيرا اخت الاوركيدا و انا ممتن للتفاعل الراقي و للثناء الباذخ .. اعدك بالمزيد ان شاء الله ..
دمت في الخير

فيصل الزوايدي 12-02-09 05:14 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجروح ويگابر (المشاركة 1309461)
مشاءلله عليك أخوي فيصل

سلمت انملك على القصه الرائعه

ولك وودي ووردي

أسعدني رأيك في القصة اخي الكريم و انا ممتن للتفاعل الراقي
دمت في الخير
مع الود

صالح سالم العويضي 12-06-11 05:20 PM

الله يعطيك العافيه
بصراحه قصه جميله


الساعة الآن 04:00 PM.

Powered by vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar